الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي 19 ديسمبر 2020م أصدر البرلمان الأوروبي قراره الذي وصفه بأنه يتناول حقوق الإنسان في مصر.
وبالقراءة المتفحصة للقرار سنكتشف أنه ليس قرارًا لحقوق الإنسان -كما يزعمون!، بل هو قرار لحقوق الشواذ، وحقوق الخيانة والتآمر على المجتمع المصري بقِيَمِه ومبادِئِه، بل حتى العبارات الفضفاضة التي توهِم أنهم يتكلمون عن حقوق الإنسان بمعناها الشامل (حتى عند الأوروبيين أنفسهم)؛ ستفاجأ أن التفصيل لا ينصب إلا على حقوق الشواذ، وعلى الدفاع عما يُسمَّى بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي مؤسسة لا هَمَّ لها إلا الدفاع عن: الشواذ، والشيعة، والبهائيين، ومنكري السُّنَّة النبوية الذين يُسمُّون أنفسهم زورًا بالقرآنيين!
وهذه بعض الملاحظات التفصيلية؛ لنبيِّن أن الأساس الذي انطلق منه هذا القرار هو الغزو الفكري، والاحتلال الثقافي، والسعي إلى فرض المفاهيم الغربية المفرطة للشذوذ على المجتمع المصري عن طريق الضغط على الدولة المصرية.
1- تضمن القرار فقرة مرجعية طويلة جدًّا ذُكِرت فيها كل المواثيق والاتفاقيات التي وقَّعَت عليها مصر بشأن حقوق الإنسان، وفي النهاية خُتِمت بذكر الدستور المصري، وخَصَّت بالذكر مواد الحريات فيه.
وتعمد البرلمان الأوروبي إغفال:
- أن توقيع مصر على هذه الاتفاقيات كان مشروطًا بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، ولا الدستور المصري.
- وأن الدستور المصري نصَّ على أن مواده كلها وحدة واحدة، وأن المادة الثانية الخاصة بمرجعية الشريعة الإسلامية قد أصبحت مادة فوق دستورية، جَرَى الاستفتاء المتتالي عليها في عدة دساتير، وكانت رسالة الجماهير في كل استفتاء هي عدم المساس بهذه المادة.
2- ويجمل في هذا الصدد أن نقول: إن تصريح الرئيس السيسي في لقائه مع ماكرون، والذي ذَكَر فيه أن القِيَم الدينية أعلى مِن القيم الإنسانية؛ لأن القيم الإنسانية من صنعنا نحن البشر، فنستطيع أن نقيدها أو نفسرها بما لا يخالف القيم الدينية، كان تصريحًا مطابقًا للدستور المصري.
ولا شك أن إطلاق هذا التصريح في أوروبا ذاتها، وأمام الرئيس الفرنسي الذي لا يختلف خطابه عن قرار البرلمان الأوربي في تجاهل هذه الخصيصة الإسلامية الفارقة، كان ضروريًّا ومهمًّا ومؤكِّدًا على تميُّز هويتنا الثقافة والتشريعية عن النمط الذي تريد أوروبا فرضه علينا.
3- مما انتقده القرار: قيام قوات الأمن بالقبض على ثلاثة مِن نشطاء ما يُسمَّى بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ لأنهم التقوا 13 دبلوماسيًّا أجنبيًّا، ووصف هذا اللقاء بالمشروع، وقيام قوات الأمن بالقبض عليهم بالمتعسف، وطالب بإسقاط التُّهم، وإيقاف تجميد الحسابات البنكية، والإفراج الفوري عنهم، و... وهو نوع جديد من الامتيازات الأجنبية، وصورة من صور المحاكم الأجنبية التي فرضوها على بلادنا في أزمنة الاحتلال، مع فارق أن الأولى كانت تشمل رعاياهم فقط، والآن يريدون بسط حماية قانونية على كل مَن يحمل فكرهم وينشره في بلادنا.
4- ليس هذا خرصًا أو تخمينًا، بل هذا ما صَرَّح به القرار في ثنايا استنكاره للقبض على عضو المبادرة المصرية "باتريك جورج زكي"، وعَرَّفه بأنه باحث في حقوق الجندر gender rights researcher (يعنون بالجندر: أن يختار الشخص لنفسه دورًا جنسيًّا أو اجتماعيًّا مختلفًا عن الجنس الذي وُلِد بهَ)، وأنه في منحة لدراسة الماجستير ضمن برنامج إيراسموس في جامعة بولونيا الإيطالية.
ثم قالوا في وصف هذا البرنامج: "وحيث إن برنامج إيراسموس يعتبر من أكثر المبادرات نجاحًا في تعزيز القِيَم الأساسية للبرلمان الأوروبي" -بالإضافة الى اعتبارهم أن مجرد القبض عليه وهو في زمالة جامعة أوروبية يمثِّل إزعاجًا لهم فقالوا:- "في حين أن اعتقال باتريك جورج زكي أثناء زمالة له في أوروبا يشكِّل تهديدًا لهذه القيم، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يفعل كل ما في وسعه لإيجاد حلٍّ لهذه القضية".
5- وكمزيدٍ مِن الإمعان في بيان الخلفية الفكرية للقرار قالوا واصفين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالوصف التالي: "إن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية توفِّر خدمة لا تقدَّر بثمن في تعزيز الحقوق والحريات الشخصية والسياسية، والمدنية، والاقتصادية، والاجتماعية في البلد".
6- تكرر كثيرًا في التقرير وصف المضايقات التي يتعرض لها (LGBTI) (وهي كلمة تدل على اللواط والسحاق، وكل صور الشذوذ الجنسي التي ربما ما زال بعضها مستهجنًا في أوروبا ذاتها)، سواء في فقرته الوصفية التي وَصَف بها الأحوال في مصر أو في فقرة المطالبات، والتي كان البند الأول منها ينص على الشجب والتنديد بأشد العبارات الممكنة لقمع أفراد (LGBTI)، وإن كانوا قد ضمنوا بعض الأوصاف الفضفاضة: كالصحفيين والحقوقيين مِن باب: "ذر الرماد في الأعين".
7- رغم أنه حدثت استجابة لضغوط البرلمان الأوروبي السابقة، وصدر قانون تجريم ختان الإناث مع أن الفقهاء بعضهم يجعله مباحًا وبعضهم يجعله مشروعًا، ورغم إقرار الأطباء بوجود نسبة (وإن كانت ضئيلة من الإناث) يكون الختان بالنسبة لهن بمثابة تدخل علاجي، وتذرعًا بوجود انحراف في التطبيق كان يمكن علاجه بتعليم الناس السُّنة والطِّب الصحيحين، وهما متفقان -بفضل الله-؛ رغم ذلك صَدَر القانون بالتجريم!
إلا أن البرلمان الأوروبي لا يكتفي بهذا، بل يقول في قراره: "في حين أن السياسات والقوانين القائمة لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ليست مطبَّقة بشكلٍ جيدٍ، وتستمر الممارسة".
8- تضمن القرار المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وحيث إن المواثيق الدولية التي يشيرون إليها تتيح استعمال الإعدام في حالة الخيانة، وإفشاء أسرار البلاد العسكرية، ولا يبقى جرائم أخرى عقوبتها الإعدام في القانون المصري إلا:
أ- خطف أنثى إذا اقترن بمواقعتها بغير رضاها، وبالتالي: تكون مطالبتهم بإلغاء الإعدام هنا متناقضة مع دعوتهم إلى تشديد عقوبة الاغتصاب.
ب- جرائم تختص بزراعة وجلب وترويج المخدرات.
ج- جرائم القتل العمد، بل يبالغ القانون؛ فيشترط سبق الإصرار والترصد، أو ما يقوم مقامه: كالقتل بالسم أو الإحراق المتعمد للمجني عليه، والصحيح: أن القتل العمد في شريعة الإسلام، بل وفي شرائع الأنبياء السابقين كافٍ للحكم بالقصاص من القاتل، وهذا القيد الزائد هو أحد أسباب بقاء ظاهرة الثأر إلى الآن، ولا شك أنه في حالة تمت الاستجابة إلى طلبهم بإلغاء عقوبة الإعدام تمامًا؛ فهذا مِن شأنه أن يزيد من انتشار الثأر؛ مما يهدد الأمن والاستقرار في معظم قُرَى مصر.
وبالطبع هذا الأمر لا يشغل البرلمان الأوروبي، وإنما يشغله نشر منهجه وثقافته!
- وفي الختام: نناشِد كل مسئول أن يكون سعيُنا إلى الإصلاح ذاتيًّا داخليًّا نابعًا مِن مراقبة الله -تعالى-، والحرص على الرقي بأمتنا، وهذا من شأنه أن يفوت الفرصة على كل المنظمات الدولية للتدخل في شئوننا.
- وعلى كل مريدٍ للإصلاح أن يدرك أن طريق الاستقواء بمثل هذه المنظمات كله ألغام، فهم يبحثون عن دُمًى تتحرك بالريموت كنترول، وببغاوات يرددون ما يُمْلَى عليهم؛ يوظفونهم في خدمة مشاريعهم ثم يدافعون عنهم، وربما ضموا غيرهم ذرًّا للرماد في الأعين، أو طمعًا في كسب مزيدٍ من الدُّمَى.
نسأل الله أن يحفظ مصر، وأن يحفظ لها هويتها، ويصلح أحوالها، ويهيئ لها من أمرها رَشَدًا.