أسفرَ مشروعُ التعديلاتِ الدستوريةِ لعامِ 2014 على دستورِ 2012 المُعطلِ، عن النصِ على:" نحنُ – الآن - نكتبُ دستوراً يستكملُ بناءَ دولةٍ ديمقراطيةٍ حديثةٍ، حكمُها مدنيٌ " بديباجةِ الدستور.
ولم يكنْ يُمثلُ حزبَ النورِ بلجنةِ الخمسينَ لتعديلِ الدستورِ سُوى عضوٍ واحدٍ، هو الدكتور محمد إبراهيم منصور، الأمينُ العامُ السابقُ، ورئيسُ الحزبِ الحاليّ، فتمكنَ بعونِ الله تعالى، ثم بدعمِ بعضِ الغيورينَ على الهُويةِ مِن تغييرِ هذه الصياغةِ إلى "حكومتُها مدنيّةٌ" وهو ما اعترفَ به عضوُ المكتبِ السياسيِ لحزبِ التجمعِ اليساريِ، وعضوُ لجنةِ الخمسينَ حسين عبدُ الرازقِ، في لقاءٍ تلفزيونيٍ شهير.
ثم نصتِ المادةُ رقم (200) مِن مشروعِ الدستورِ المصري المُعَدلِ في إبريلَ 2019 على أنَّ:" القواتُ المسلحةُ مِلكٌ للشعبِ، مهمتُها حمايةُ البلادِ، والحفاظُ على أمنِها وسلامةِ أراضيها، وصونُ الدستورِ والديمقراطيةِ، والحفاظُ على المقوِّماتِ الأساسيةِ للدولةِ ومدنيتِها، ومكتسباتِ الشعبِ وحقوقِ وحرياتِ الأفراد، والدولةُ وحدَها هي التي تُنْشِئُ هذه القوات، ويُحظَر على أيِ فردٍ، أو هيئةٍ، أو جهةٍ، أو جماعةٍ، إنشاءُ تشكيلاتٍ، أو فِرقٍ، أو تنظيماتٍ عسكريةٍ، أو شِبهِ عسكرية ".
وقد أحدَثَ مصطلح "مدنيةُ الدولةِ" تخوُفاً عند معظمِ المواطنين، وعلى رأسهم: أعضاءُ حزبِ النورِ، بسببِ عدمِ وجودِ تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لهذا المصطَلحِ في المعاجمِ والمراجعِ اللُّغويةِ والقانونيةِ والسياسيةِ المعتمدة.
ويمكنُ حصرُ التعريفاتِ المتداوَلةِ في غيرها فيما يلي:
- الدولةُ العصريةُ: الحضارية.
- الدولةُ الوطنيةُ الدستوريةُ، أو الديمقراطيةُ الحديثة.
- مقابلُ الدولةِ العسكريةِ البوليسيةِ.
- مقابلُ الدولةِ الدينيةِ الثيوقراطيةِ بالمفهومِ الغربيّ.
- الدولةُ العلَمانية.
وحيثُ أن الأصلَ في الألفاظِ الدستوريةِ أن تكونَ محددةً واضحةً، وخوفاً مِن محاولةِ ترويجِ بعضِ العلَمانيين التعريفَ الأخيرَ – ولو مستقبَلاً – وخاصةً بعد تصريحِ الرئيسِ التونسيِ باجي قايد السبسي، رفضَ حزبُ النورِ هذه الصياغةَ باللجنةِ العامةِ لمجلسِ النواب، ثم باللجنةِ الدستوريةِ والتشريعيةِ، ثم بجلساتِ الحوارِ المجتمعي، وطَرَحَ عدةَ صياغاتٍ بديلةً.
وعندما طُرِحت الصيغةُ النهائيةُ للمادةِ بالجلسةِ العامةِ لمجلسِ النوابِ للتصويتِ النِّهائي، دون تعديلِ الصياغةِ، رفضَ رئيسُ الهيئةِ البرلمانيةِ لحزبِ النورِ الدكتور أحمد خليل خير الله التعديلاتِ الدستورية.
ثم عَرَضَ رئيسُ المجلسِ بعد مناقشاتٍ اقتراحَ تصويتِ المجلسِ على اللاءاتِ الثلاثةِ لتفسير هذا المصطلح بالمضبطةِ، وهي:
لا دينيةً ثيوقراطية.
لا عسكريةً بوليسية.
لا علمانية.
ووافقَ المجلسُ بأغلبيةٍ ساحقةٍ، فأعلنَ رئيسُ الهيئةِ البرلمانيةِ لحزبِ النورِ الموافقةَ.
وقد عقَّب الدكتورُ على عبد العال رئيسُ مجلسِ النوابِ بقوله: أؤكدُ أنَّ منهجَ المحكمةِ الدستوريةِ العليا إذا عُرِضَ الأمرُ عليها لسببٍ أو آخرَ اللجوءُ لهذه الأعمالِ التحضيريةِ. (مضبطة مجلس النواب).
كما علقَ الدكتورُ محمدُ السعيديِ على الحدثِ بقوله: إنَّ هذا إنجاز بكل ما تعنيه الكلمة. وليست المحظوظةَ فيه مصرُ وحدَها، بل الثقافةُ الإسلاميةُ المعاصرةُ جمعاء.
وذلك: أن مصطلحَ المدنيةِ تم اختطافُهُ لصالحِ الفكرِ العلمانيِ مِن زمنٍ بعيدٍ، مِن عهدِ مونتسيكيو وأضرابِه مِن روادِ الفكرِ السياسيِ الغربيِ، حتى تُرجِمَ إلى العربيةِ بهذه الصيغةِ إلى يومِنا هذا، وأصبحت هذه الكلمةُ في جميعِ التنظيراتِ السياسيةِ تعني العلمانية.
ولم يُخالفْ في ذلك سوى مَن يعرفون حاليًا بالليبروإسلاميين، حيث زعموا أنّ هذا المصطلحَ لا يعني العلمانية بالضرورة، لكنهم عمليًّا لم يستطيعوا التخلصَ مِن العلمانية، بل وقعوا فيها نتيجةَ عدم تحريرِ المصطلحِ وجنوحِهم إلى الميوعةِ في تقريرِ الحقائقِ الشرعيةِ المتعلقةِ بالسياسةِ ...
ثم قال: إن تدوينَ ما أصبحَ يُطلقُ عليه باللاءاتِ الثلاثةِ في المضابطِ الدستوريةِ، يُعَد أولَ تفسيرٍ رسميٍ برلمانيٍ دستوريٍ للمدنيةِ يخالِف التفسيرَ العلمانيَّ، ويُعيدُ المصطلحَ إلى حظيرتِه اللغويةِ الصحيحةِ.
ولذلك أجدُ لزامًا على الباحثينِ في الفكرِ السياسيِ الإسلاميِ الحديثِ الالتفاتَ إلى هذا التفسير وإشاعتِه ونشرِه فهو نصرٌ مصطلحيٌ كبيرٌ لا يَعرفُ قدرَه إلا مَن خاضَ حربَ المصطلحاتِ وعرفَ خطورَتها.
ثم قال: ولو أنّ بعضَ ما أنجزهُ الحزبُ تحققَ على يدِ أيِ جماعةٍ إسلاميةٍ غيرِ حزبِ النور؛ لوجدتَ الإشادةَ به ملءَ السمعِ والبصرِ، لكنّ الصراعاتِ الحزبيةَ والولاءاتِ لغير المصلحةِ الحقيقيةِ تمنعُ مِن الإشادةِ بمثلِ هذا الإنجازِ لا لشيءٍ إلا لكونِه مِن حزبِ النور.