الانتحار عند البعض أحد أساليب التخلص من الضغوط النفسية والحياتية؛ وانتشاره دليل واضح على غلبة النظرة المادية البحتة في المجتمع نتيجة لضعف التوجيه الإيماني والعقدي الديني وكذلك التوجيه التربوي القيمي وضعف الثقافة النفسية الصحية مع اختلال واضح لحقيقة الدنيا بالنسبة للأخرة عند الكثير من أفراد المجتمع لا سيما فئة الشباب منهم.
لذا ففي خضم هذه الحياة المادية المدمرة، يحتاج أبناء هذا الجيل؛ لمن يعلق قلوبهم بالله وشهود القدر وحكمته سبحانه وتعالى فيه، ولمن يضبط لهم ميزان الدنيا والأخرة، ويوضح لهم أحكام هذه الأفعال وجزاءها المخيف في الأخرة، وأثارها المدمر على أحبابهم في الدنيا، ولبث الثقافة النفسية والصحية بين الأسر للتفريق بين الأعراض المرضية المحتاجة لمتابعة طبية، وبين غيرها التي تحتاج إلى دعم وتوجيه واحتواء، ولمن يسمعهم، يحنو عليهم، يوجههم بالقدوة قبل الكلمة، ولمن يحفزهم، ويكتشف قدراتهم ويوجهها، ويبث فيهم الأمل لتحقيق أحلامهم المشروعة.
ويحتاج للمعرفة بتلك القدوات الناجحة الصالحة عبر التاريخ والتي كافحت في حياتها وتغلبت على تحدياتها بعزم وقوة وإيمان، وللأمثلة العملية والقدوات الصالحة الناجحة حاليا في مثل واقعهم وظروفهم وبيئتهم وتحدياتهم الحالية.
لذا فالمسئولية جماعية لعلاج هذه الظاهرة المتنامية، وهي تقع على عاتق كلا من الأباء والامهات والاسرة، ثم على عاتق المصلحين والدعاة، وبالأصالة تقع على عاتق الدولة أيضا.
فالدولة؛ يجب عليها أن تتيح لهذا الجيل القدر اللازم من الإرتواء الإيماني الديني الصحيح والتوجيه النفسي المعنوي اللازم لبناء الشخصية السوية عبر المؤسسات التعليمية، والمساجد والمنظمات المجتمعية، ومراكز الشباب والأندية الرياضية، مع دعم الأنشطة التنموية الفاعلة واللازمة لتحقيق الذات والمانعة من الإحباط، مع توفير حياة كريمة تضمن للجميع الأمان الإقتصادي والإستقرار الحياتي، والحذر كل الحذر من تلك الصيحات المتتابعة من التيارات العالمانية والليبرالية وأصحاب الأجندات الغربية التي تدعو إلى فصل الدين عن الحياة وتجفيف منابع الإرتواء الروحي الديني العاصم الحقيقي من الوقوع في الانتحار.
والأباء والامهات؛ يجب عليهم الاستماع الجيد لأبنائهم ومصاحبتهم والعمل على دعمهم نفسيا وايمانيا، وعدم تركهم في أزماتهم أو إهانتهم عند إخفاقهم، بل يجب أن يكونوا مصدر ثقة ودعم وأمان لهم وتصحيح للمسار عند الفشل أو الإخفاق بالقدوة والحكمة والرفق واللين.
أما الدعاة والمصلحون؛ فيجب عليهم تكثيف الجهود لمواجهة تلك النظرة المادية المتفشية في المجتمع بإذكاء معاني الإيمان بالله واليوم الآخر في النفوس، وبيان حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، والعمل الدؤوب على مواجهة التغريب ودحض دعوات التشكيك والإلحاد التي تُبث في نفوس الشباب عبر وسائل الميديا المتنوعة، مع الاختلاط الحقيقي بالشباب على الأرض في ميادين دراستهم وحياتهم والحرص على ذلك رغم كل العوائق والعقبات، فهذا يُعد من أعظم الجهاد؛ جهاد الكلمة والبيان.