كتب فينتان أوتول FINTAN OTOOLE الصحفى الإيرلندى مقالاً في INDEPENDENT بتاريخ مارس 2023م، تسائل فيه: هل ستؤدي القومية إلى تفكك بريطانيا؟
قال أوتول: أعادت رحلة نقل جثمان الملكة إليزابيث الثانية في سبتمبر عام 2022م مِن قلعة بالمورال حيث تُوفيتْ، إلى القصر الملكى في هوليرود هاوس في أدِنبره، ثم حمل نعشها جواً نحو الجنوب إلى لندن.
أعادت إلى ذاكرتنا صور عبورٍ ملكيٍ آخر، يمكن اعتباره الحدث الذى أدى لنشأة المملكة المتحدة.
ففى إبريل عام 1603م بدأ الملك جيمس السادس ملك اسكتلندا الذى كان يبلغ مِن العمر آنذاك 36 عاماً، رحلته مِن أدِنبره إلى لندن ليتسلم الحكم بعد الملكة الراحلة إليزابيث الأولى، التى لم تنجب أولاداً، باعتباره جيمس الأول ملك إنجلترا وويلز.
وبعد مرور عام، في أول خطاب له أمام البرلمان الإنجليزى شبَّه اتحاد مملكتيه بزواج لا طلاق فيه.
فَهِمَ هذا التلميح الكاتب المسرحى في بلاط الملك جيمس، ويليام شكسبير فألف أكثر مسرحياته رعباً الملك لير KING LEAR وحذَّر فيها مِن كل الأشياء المروِعة التى يمكن أن تحدث إذا قُسِمت المملكة المتحدة بحماقة.
وقد أعاد موت الملكة إليزابيث الثانية إحياء هذه المخاوف القديمة، حيث تعرضت المملكة للكثير مِن المشاكل بعد موتها أدت لإرتفاع القلق على مستقبلها.
أهم هذه المشاكل الوضع الاقتصادى، والاضرابات واسعة النطاق، والآثار المترتبة على البريكست BRITISH EXIT وخروج بريطانيا مِن الاتحاد الأوروبى،حيث وجدت نفسها أقل تأثيراً في العالم، وعلى خلاف متزايد مع اسكتلندا، وإيرلندا الشمالية اللتين صوتت أغلبية كبيرة فيهما لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبى.
وأخيراً تحول النظام الملكي الذى كان رمزاً مهيباً للهوية والنفوذ البريطانى، إلى أرض خصبة لروايات في الصحف عن الحروب التافهة بين الأشقاء، وعن الأمراء المتورطين في الفضائح والخصومات .
ولا شك أن المملكة المتحدة التى أُسِست رسمياً عام 1707م، بعد أن حلت اسكتلندا برلمانها وانضمت إلى إنجلترا وويلز، ثم ضمت إيرلندا بأكملها عام 1801م، ولكنها فقدت معظمها عام 1922م عانت أزمات وجودية سابقاً.
في عام 1977م نشر المفكر الاشتراكى الإسكتلندى توم نايرن كتابه "تفكك بريطانيا" أكد فيه بثقة مُطلقة (ليس هناك شك في أن المملكة البريطانية القديمة آخذة في الإنهيار). لكنها حتى الآن لاتزال صامدة!
ومع ذلك يرى أوتول أن توقع نايرن يتسم بِبُعد النظر، لأنه وصف نهاية المملكة بأنها "غرق بطيئ".
يُسيطر الحزب الوطنى الإسكتلندى (SNP) على المشهد السياسى الإسكتلندى، ويرى أن انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة مهمة حاسمة.
ولأول مرة تفقد إيرلندا الشمالية الأغلبية البروتستانتية التى شكلت على مدى أكثر مِن قرن العمود الفقرى لاتحادها مع بريطانيا. ما سيؤدى إلى ميل سكانها – أكثر مِن أى وقتٍ مضى– نحو الاتحاد مع جمهورية إيرلندا.
وحتى ويلز التى ضمتها إنجلترا منذ عام 1284م أصبحت مُستقلة عنها بشكلٍ مُتزايد. ففى ديسمبر عام 2022م وجد التقرير المؤقت الصادر عن اللجنة المستقلة المعنية بمستقبل ويلز الدستورى (INDEPENDENT COMMISSION ON THE CONSTITUTIONAL FUTURE OF WALES) التى أنشأتها الحكومة المفوضة في كارديف، أن الترتيبات السياسية الحالية مع لندن ليست مستدامة. وأشارت اللجنة إلى خيارات أكثر راديكالية، بما في ذلك إمكانية أن تصبح ويلز دولة مستقلة تماماً.
أضف إلى ذلك بروز القومية الإنجليزية - وفق التأييد الشعبى للبريكست- بعد أن كانت مدفونة تحت الهوية البريطانية والإمبريالية.
هذه التحديات المتزايدة لا تؤثر سلباً على مكانة المملكة المتحدة في النظام الدولي فحسب، بل تجعل استمرارها ككيان موحد لفترة طويلة أمراً مشكوكاً فيه.