الديمقراطية أحد إفرازات الليبرالية، وقد فرض الغرب النظام الديمقراطى على كثير مِن دول العالم، حتى أصبح - ولو نظرياً - واقعاً لا يمكن تجاهله.
وتعود نشأة الليبرالية إلى التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوروبا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي كرد فعل لتسلط الكنيسة والإقطاع على الشعوب الأوروبية في العصور الوسطى.
ونحن لا نقول كما قال البعض عن الديمقراطية: (بضاعتنا رُدت إلينا) !
كما لم نقف أمام المصطلح بنوع مِن الجمود والتكلس، وننظر إليه مِن منظوره الفلسفي فقط، فنحكم عليه بالكفر جملة واحدة، أو أن نسحب هذا الحكم على الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وعلى الإسلاميين الذين يمارسون السياسة ويشاركون في الإنتخابات .
فنحن نرى أن الديمقراطية فكرة مُركبة مِن أمور مخالفة للشرع: فلسفة، وأخرى بعضها موافقة: آليات نقلها الغرب عن كتب السياسة الشرعية.
ولمَّا كان الأمر كذلك فمسألة التفصيل - تفكيك المصطلح - برفض المخالفة، وقبول الموافقة، أنسب مِن تغليب أحدهما على الأخر لرفضهما معاً.
وهذا الأمر راجع إلى المصالح والمفاسد .
وهو قريب الشبه باضطرار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لتفكيك كثير مِن مصطلحات الصوفية ليُفصِّل في شأن ألفاظ غريبة عن منهج السلف كالحال والمقام، بل الحلول والإتحاد التي أوجد لها معانٍ موافقة للشرع، وقال: إن أُرِيد بها ذلك قُبِلت، وإلا فهي مِن الكفر والضلال . (مجموع الفتاوى ج 2) لاسيما وأن هذه الألفاظ شأنها شأن الديمقراطية لسنا مُتعبدين بقبولها أو رفضها، وإنما نحن متعبدون بقبول الحق، ورفض الباطل .
والفلسفة الديمقراطية المرفوضة هي التي تعطي الشعب- أو الأغلبية - حق سن القوانين التي تتضمن تحليلاً للحرام، أو تحريماً للحلال .
أما الآليات الديمقراطية، فمنها الانتخاب، وقد ترك عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - الأمر مِن بعده شورى في ستة نفر، حتى استقر الأمر بانتخاب عثمان بن عفان - رضى الله عنه -.
ومِن الآليات الديمقراطية ما هو مسكوت عنه، كالبرلمان، والتمثيل النيابي، وأساليب الرقابة، وغيرها .
إذا تفكيك المصطلح يُحقق البراءة مِن فلسفة الديمقراطية التي تقرر أن الله سبحانه له الخلق، دون الأمر ! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
ولم نَدَّعِ أن كل الآليات موافقة للشرع تماماً . ولكن قررنا أن بعضها يكون مِن باب أدنى المفسدتين، كما أفتى الشيخ ناصر الدين الألبانى - رحمه الله - في رده على الشيخ مُقبل بالدخول في الإنتخابات الجزائرية .
أما عن مصطلحات "الديمقراطية" الواردة بالدستور، وكذا المادة الرابعة الخاصة "بالسيادة الشعبية" فهي بلا شك مُرتبطة بالمادة الثانية، وتُفهم في إطارها، كنصوص تمثل نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ .
فقد نصت المادة رقم (227) مِن الدستور على أن:" يُشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة".
وأكدت المحكمة الدستورية العليا على أنه:" مِن المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها مِن خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة .
ويتعين دوماً أن يُعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها، ولا محل بالتالى لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها، يفترض العمل بها في مجموعها، باعتبار أن لكل نصٍ منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره مِن النصوص أو ينافيها أو يسقطها، بل يقوم جوارها متسانداً معها، مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التى تجمعها" .
[القضية رقم 15 لسنة 18 ق دستورية - جلسة 2 يناير 1999] .
وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن نصوص الدستور، ومدى تنافر بعضها البعض، أو تقدير مدى انطباقها، يخرج عن نطاق الرقابة على دستورية القوانين .
ومِن ثَّم فقد جعلت المحكمة الدستورية العليا تفسيرها لمفهوم القوانين قيداً مِن قيود الرقابة، بحيث إذا كان التعارض بين نصين، ولم يكن أحدهما نص دستورى والأخر تشريعي "قانون أو لائحة" امتنع عليها الرقابة .
[القضية رقم 23 لسنة 15 ق دستورية - جلسة 5 فبراير 1994 ، القضية رقم 76 لسنة 29 ق دستورية - جلسة 1 أكتوبر 2007] .
هكذا فكك حزب النور المصطلح، وشارك في التغيير، والتأثير، والإعذار . فحقق - بفضل الله - مصالح كثيرة، كما منع مفاسد أيضاً، في حدود الممكن والمتاح، لا المأمول المرجو، ولم يقر أي منكرٍ أو باطل.. وقد شهد بذلك القريب والبعيد مِن المنصفين .