الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران(26)]
فنحمد الله على زوال حكم النظام الجائر في سوريا الذي جمع بين شذوذ عقائد طائفته المنحرفة وبين الاستبداد والبطش والظلم والبغي والاستطالة على دماء شعبه، وفي الواقع فإن هذا النظام لم يعتبر شعب سوريا -في يوم من الأيام- شعبا له، بل قدم مصالح طائفته على مصلحة الشعب السوري بل وعلى مصلحة الأمة العربية والإسلامية كلها، وقد عانت مصر من ذلك أشد المعاناة أثناء حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.
وحافظ وبشار قتلا الشعب السوري قتلا جماعيا، لم نره يصدر من حاكم وطني بل يفوق حتى ما فعله الاحتلال في كثير من البلدان. وكانت دائما سوريا تلعب لصالح الدولة التي تحمي آل الأسد؛ روسيا تارة وإيران تارة أخرى.
ونحن نريد ألا تطغى الفرحة بما أنزله الله بهذا الطاغية على النصيحة الواجب أن يقدمها المسلمون في كل العالم الإسلامى للفصائل السورية لأننا نعلم أن بعض فصائلها تبنَّوا -على الأقل في بعض الفترات- أفكارا تستهين بدماء المسلمين وتهدر معاهدات المعاهدين.
ولذلك ندعوهم جميعا الآن إلى الوقوف مع النفس ومراجعة أحكام الشرع في أبواب مسألة الإسلام والكفر، وما قرره أهل العلم من ضوابط التكفير، والبعد عن تكفير عصاة المسلمين، أو تكفير المسلمين بالظنون، أو التسرع بتكفير المسلم الذي يقع في بعض أنواع الكفر بالجهل والتأويل؛ فقد قال ﷺ: "من قال لأخيه: يا عدو الله أو قال: يا كافر فقد باء بها أحدهما".
كما ندعوهم لتذكر حرمة القتل بغير حق قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة(32)]. وكذلك مراجعة أحكام العهود والمواثيق قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ﴾ [المائدة(1)]. ومراجعة تجارب الماضي والحاضر والتي يتضح منها أسباب استقرار المجتمعات وكيفية تجنبها الفتن والاقتتال الداخلي، وأن إصلاح أحوال الأفراد والمجتمع والدولة يكون بحسب الممكن والمستطاع.
ونحن نشدد على أن هذا "الاعتدال السياسي" -فيما يبدو- لا يكفي وحده لضبط سلوك الناس، بالأخص من عاشوا مراحل الكر والفر بينهم وبين النظام البائد أو بينهم وبين بعضهم البعض، بل إن ما تدل عليه التجارب السياسية يؤكد على أهمية ضبط هذه المسائل الشرعية لتصبح دينا عند أصحابها؛ يتقربون إلى الله به وبأعماله في المنشط والمكره والغضب والرضى.
وما زلنا ندعو الجميع إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والتمسك بهذا قدر الممكن والمستطاع، وإطالة النفس في حل الصراعات؛ لأننا لا نريد لعالمنا الإسلامى أن يعاد تقسيمه مرة أخرى؛ فيجزَّأ المجزأ، مما يقلل حتى من فرص التعاون والتنسيق والتكامل.
وهو أمر ضرورى لكي توزن الأمة الإسلامية فى موازيين القوى العالمية كقوة واحدة، وإعمالا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء(92)].
إن الأعداء الذين مهدوا أرض سوريا للتقسيم ما زالوا حاضرين فى المشهد
ولعبوا تلك اللعبة في العراق من قبل، ولا نريد أن نعطيهم رسالة أن الشعوب العربية متى ما وضعت في هذه الظروف سيكون التقسيم خيارا مقبولا لديها.
نسأل الله أن يهيء لأهل سوريا ولبنان أمر رشد، وأن يوفقهم إلى التمسك بدينهم وبسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم.
ونسأله عز وجل أن يرفع البلاء عن أهل غزة وأهل فلسطين وأن يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف.
ونسأل الله أن يحفظ كل بلاد المسلمين ولا سيما مصر التي تمثل قلب العالم الإسلامي وقوته الأولى عسكريا وسكانيا وثقافيا حفظها الله وحفظ كل من حافظ عليها ورد كل من يريد بها سوء وفتنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه
حزب النور
8 الاثنين جُمادى الآخرة 1446هـ
9 ديسمبر 2024 م