إن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على أراضي الجولان السورية المحتلة، ومن قبل قراره بنقل سفارة أمريكا إلى القدس الشرقية، لهي قرارات كاشفة لعدة حقائق:
الحقيقة الأولى:
السياسة العالمية يحكمها قانون القوة لا قوة القانون، وأن ما يطلقون عليه "الشرعية الدولية" ما هي إلا شرعية للغلبة والقهر بيد الدول القوية ضد الدول الضعيفة، وأن القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية ما هي إلا حبر على ورق لا تطبق إلا على الضعفاء طبقا لمصالح وأيديولوجيات الدول القوية عسكريا، وما يحدث من تخاذل المجتمع الدولي عن نصرة العديد من الأقليات المسلمة المضطهدة حول العالم -بسبب حق الفيتو الذي يمتلكه خمسة دول من مجموع دول العالم ويستخدم لإيقاف أي قرار منصف وعادل- ليس ببعيد عن إدراك الجميع.
وها هي أمريكا تخالف كل المواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية -وما صدر عن مجلس الأمن من قرار ٤٩٧ لسنة ١٩٨١ برفض ضم الجولان لإسرائيل وفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها عليه-، وتعلن اعترافها بسيادة إسرائيل على أرض الجولان المحتلة، كما ضربت قبل ذلك بجميع القرارات الدولية -الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بقضية القدس والشعب الفلسطيني- عرض الحائط.
الحقيقة الثانية:
العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة الكيان الواحد، وعلاقة استراتيجية مصيرية من منطلق ديني عقدي، وقد أعلنوها تصريحا لا تلميحا، بلسان الحال والمقال.
الحقيقة الثالثة:
أن أمريكا لم تكن يوما -ولن تكون- شريكا أو وسيطا نزيها في أي مفاوضات تخص القدس والقضية الفلسطينية، ولا تصلح أن تقوم بهذا الدور حيث أنها الراعي والداعم بشكل كامل للاحتلال الصهيوني، وكل جرائمه التي ارتكبها -وما يزال- في حق مقدساتنا وشعبنا الفلسطيني والعربي، منذ اعتراف رئيسها ترومان بدولة إسرائيل عام ٤٨ حتى الآن.
الحقيقة الرابعة:
كلما ازدادت الدول العربية والإسلامية ضعفا وتشرذما كلما تجرأت أمريكا وإسرائيل على مزيد من العدوان، وخاصة بعد الانهيار الذي أصاب عدة دول عربية في المنطقة، وانكفاء كل دولة على مشاكلها الداخلية؛ لذا تعد المحافظة على قوة البلاد العربية الإسلامية وتماسكها الداخلي مما يجب على كل عقلاء الأمة، لاسيما في مثل هذه الأوقات.
الحقيقة الخامسة:
أنهم ما تسلطوا علينا إلا بسبب تخلينا عن الأخذ بأسباب القوة، في عالم لا يعترف بالضعفاء، وأول أسباب القوة التمسك بعقيدتنا وثوابتنا وقيمنا والاعتزاز بهويتنا، وإقامة العدل في مجتمعاتنا، وإعلاء قيمة الإنسان وكرامته فيما بيننا، مما يعمق روح الانتماء والبذل والعطاء اللازم للأخذ بأسباب القوة المادية والاقتصادية والتي تحرر إرادتنا؛ فمن لا يملك أسباب قوته لا يملك قراره.
إن قرار ترامب هذا يذكرنا بوعد بلفور عام ١٩١٧ فهو إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وصدق الله (بعضهم أولياء بعض).
إن هذا القرار يُعد قرارا باطلا شكلا وموضوعا ولن يغير من الواقع شيئا، فالاحتلال احتلال، والاغتصاب اغتصاب، والحق سوف يعود لأصحابه يوما ما، عاجلا أو آجلا بإذن الله؛ عندما تسعى الشعوب والدول صاحبة الحق للأخذ بأسباب التوفيق والقوة والنصر.
لذلك فحزب النور يرفض بشدة كل هذه التصريحات المستفزة من رئيس الإدارة الأمريكية، وكذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية المحتلة، ويدعو جميع الحكومات والمنظمات العربية والإسلامية لأخذ موقف موحد ضد هذه التصريحات، والصفقات المضيعة لحقوق أبناء الأمة العربية والإسلامية، والمؤججة للصراع في المنطقة.
26مارس-2019